مواقف الاسلام من الرؤى والاحلام

[b][size=16][b][size=12][size=16][/size][/size][/size][/b][/b]
موقف القرآن الكريم من الرؤيا والأحلام هو الموقف الأعظم أثرا في موقف
الحضارة الإسلامية من هذا الموضوع، كما أن لموقف النبي محمد (عليه الصلاة
والسلام) تأثيره الإيضاحي في هذا الباب، وقد وردت في القرآن الكريم عدة
إشارات لى هذا الموضوع، كما وردت عدة وقائع من الرؤيا مع تأويلها، كما روي
عن النبي (عليه الصلاة والسلام) اهتمامه بأحلام الناس وبأحلامه الخاصة،
وجميع هذه الإشارات إلى الرؤيا جعلت من الأحلام تجربة هامة في الفكر
الإسلامي، ونشط المعبرون (المفسرون) إلى محاولة تفسيرها، وليس أدل على ذلك
من أن كتاب "طبقات المعبرين) وهو مؤلف في القرن الحادي عشر للميلاد، قد
احتوى على ذكر سبعة آلاف مفسر للأحلام في حينه. ويتضح مما ورد في القرآن
الكريم حول الموضوع التفريق بين الرؤيا الصادقة وبين أضغاث الأحلام، وبأن
الرؤيا الصادقة هي هبة من الله، وبأنه خص بعض عباده دون غيرهم باستلام
الرؤيا، كما أن التعبير عن الرؤيا هو أيضا مقدرة يستطيعها فقط من له حظوة
عند ربه. وتستند هذه الاستنتاجات إلى ما ورد في القرآن الكريم من الرؤى
وخاصة رؤيا النبي يوسف عليه السلام في صغره، وحلم فرعون وتفسير يوسف له، ثم
أحلام نزيلي السجن معه، وتفسير يوسف الصادق لها، فرؤيا يوسف وردت في الآية
التالية من سورة يوسف " إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا
والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، قال يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك
فيكيدوا لك كيدا إنالشيطان للإنسان عدو مبين، وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من
تأويل الأحاديث.." ويتضح من نص هذه الآية ومن قصة يوسف كما رواها القرآن
الكريم بأن " رؤيا تكون صادقة إذا هي عرضت لمن كان له حظوة عند الخالق، كما
يتضح بأن الخالق قد خص يوسف واجتباه بتأويل الأحاديث، وهو ما خص به أباه
يعقوب الذي استطاع تأويل رؤيا ابنه، أما حلم فرعون، فقد ورد تفصيله وتأويله
في قوله تعالى: " وقال الملك: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف،
وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، يا أيها الملأ افتوني في رؤياي إن كنتم
للرؤيا تعبرون. قالوا أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.)، أما
تفسير الرؤيا على لسان يوسف (قال: تزوعون سبع سنين دأبا، فما حصدتم فذروه
في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبعد شداد يأكلن ما
قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون، ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس
وفيه يعصرون)، ويتضح من النص بأن الرؤيا قد تكون صادقة حتى ولو كانت ما
يراه غير المؤمن في نومه، كما يتبين أيضا بأن النبي يوسف قد أصبح متمكنا
مما وهبه الله من مقدرة على تأويل الرؤيا، وتبين من الإشارة إلى أضغاث
الأحلام، والتفريق بين الرؤيا وبين أضغاث (تخاليط) الأحلام، فالأولى صادقة،
أما الثانية فلا، وهو التفريق الذي اعتبر قاعدة أساسية في تفسير وتأويل ما
يعرض للفرد من تجارب في نومه، أما الرواية الثالثة في سورة يوسف فهي ما
أفاد به صاحباه في السجن عما رأياه في نومهما من رؤيا وتأويل يوسف لما
رأياه (ودخل معه السجن فتيان، قال أحدهما: إني أراني أعصر خمرا، وقال الآخر
إني أراني أحمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من
المحسنين، قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن
يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي، إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم
بالآخرة هم كافرون"). ومن هذا بتضح أيضا بأن الرؤيا الصادقة قد تأتي لغير
المؤمنين، وبأن تأويلها يتم على يد من خصه الله بهذه المقدرة، (ذلك مما
علمني ربي).
لقد جاء الإسناد الثاني بعد القرآن لأهمية الرؤيا في
الحضارة الإسلامية مما نسب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من أحاديث بهذا
الشأن،ومنها قوله: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان)، وقد راح المعبرون
للرؤيا يفسرون (المضاف إلى الله من الرؤيا بأنه الصالح، وهو الصادق الذي
جاء بالبشارة أو النذارة، أما المكروه من المنامات فهو الذي يضاف إلى
الشيطان)، كما ورد ذلك في كتاب عبد الغني النابلسي الحنبلي والموسوم "
تعطير الأنام في تعبير المنام"، وقد وجد الأنبياء عامة بأن الرؤيا هي
بمثابة الوحي إليهم في شرائع الأحكام، وينسب إلى النبي محمد صلى الله عليه
وسلم قوله (رؤيا الأنبياء وحي) والمعروف أن بدء الوحي للنبي محمد صلى الله
عليه وسلم قد جاء على صورة الرؤيا في المنام، ويسند هذا القول حديث آخر
للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من أن (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من
النبوة)، ويروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اهتمامه العظيم بطرح
رؤياه في منامه على الحاضرين لمجالسه في الصباح، واهتمامه بسماع ما يعرض
لهم من رؤى ومحاولة التبصر بها، وجميع هذه الأحاديث والممارسات قد ساعدت في
تثبيت احترام ومحاولة التعبير لها في مختلف الحضارة الإسلامية. مواقف الاسلام من الرؤى والاحلام 768585